تنبيهٌ على تطويل النَّفَس بهدفٍ مخالِفٍ لِلسُّنَّة

كيفية اكتساب مهارة النَّفَس الطويل في القراءة

تشكو بعضُ المعلمات مِن قِصَرٍ في النفَس خلال تلاوة الآيات دونما علةٍ أو مرض، فلا تكاد تقرأ إلَّا ويضيق نَفَسُها، وتضطر للوقف بين كلمة وأخرىٰ، مما ينقطع معه تَسَلْسُلُ المعاني، ويُنقِص مِن حُسْن الأداء.
  وللتخلص مِن ذٰلك ولإطالة النَّفَس؛ نُشجع أختنا المعلمةَ أن تستعين بالله، ثم تتدرب في جلسةٍ منفصلة عن تلاوة القرآن الكريم؛ وَفْقَ الطريقةِ الآتية([1]):
1° اجلسي جِلسةً صِحِّيَّةً مُستقيمةَ الظَّهر، منتصبة الكتفين.
2° خذي نفَسًا عميقًا (عملية الشهيق)؛ حتىٰ تمتلئ رئتاكِ بالهواء بأقصىٰ ما يمكن، ثم احبسي هٰذا الهواء.
3° أفرغي هواءَ الرئتين (عملية الزفير) ببطءٍ وتَرَيُّث.
4° كرري النقاطَ السابقة إلىٰ حين الشعور بقدْرٍ مِن المرونة في حبس الهواء في الرئتين.
5° أعيدي النقاطَ (1 و2 و3) ولٰكن وعند النقطة الثالثة؛ أفرِغِي هواءَ الرئتين مع البدء بقراءةِ نصٍّ ما غيرِ القرآن الكريم، ولا تَقرئي إلَّا بعد إكمال عمليةِ الشهيق (ملء الرئتين بالهواء تمامًا)، فتقرئين بإفراغ هواء الزفير تدريجيًا أثناء القراءة.
6° كرري هٰذا التدريب في الجلسة الواحدة، ثم علىٰ جلسات متعددة، مع قراءة نَصٍّ طويل، وبين يومٍ وآخر، ستتمكنين -بإذن الله- مِن قراءةِ سطرٍ أو أكثر دون انقطاع النفَس خلاله.

ومع استمرار التدرُّب -علىٰ نصوصٍ غيرِ القرآنِ الكريم- سـتجدين أنك -بعونه تَعَالَىٰ- تقرئين الآيات الكريمة دون توقف في موضعٍ غيرِ مناسب.
فهٰذه -بإذن الله- هي الطريقة الناجعة في إطالة النفَس، أمَّا مَن تَقرأ وهي منحنيةُ الظَّهْرِ، مُنكَبَّةٌ برأسها مع كتفيها إلى الأمام، ولا تعتني بملء الرئتين بالهواء قبل القراءة، ولا تركِّز أَبَدَأَتْ قراءتَها بهواءِ الزفير أم الشهيق؛ فإنّها سرعان ما:
تضطر للوقف في وسط الكلمة. أو:
تقف بين كلِّ كلمةٍ وأخرىٰ. أو:
تتوقف في مواضع لا يحسُن الوقفُ عليها. أو:
تتوقف في مواضع يكون الوقف علىٰ ما بعدها أَولىٰ مِنَ الوقف عليها.
-علاوةً علىٰ أنها- ستُجهِدُ نفْسَها خلال تلاوة المقطع حتىٰ ولو كان قصيرًا!
وكلُّ ما سبق سيكون عائقًا لتدبُّرها للآيات الكريمة.
ويجب أن لا ننسىٰ أنَّ عمليةَ رياضة النفَس تحتاج إلىٰ تدريبٍ ومران ومواظبة جدِّية، ففي بداية التدريب ربما لا تستطيع القارئةُ إكمالَ سطرٍ ولا نصفَ سطر، ولٰكن شيئًا فشيئًا، ومع مواصلة التدرب؛ ستصبح -بإذن اللهِ- قادرةً علىٰ وصل سطرٍ كاملٍ بما فيه مِن مدود وغُنن وأحكام، بل وربما أكثر مِن سطر.
وقد كانت معلمتُنا -جزاها اللهُ خيرًا- تحثُّنا على التدريب علىٰ إطالة النفَس، كما تحثنا علىٰ تصحيح الأحكام!
فعلى المعلمة أن تعلِّم طالباتها طريقةَ التدرب علىٰ تطويلِ النفس وتنصحهنَّ بها.

تنبيهٌ على
تطويل النَّفَس بهدفٍ مخالِفٍ لِلسُّنَّة

(1) ذَكَرْنا ما سبق حتىٰ تستطيعَ المعلمةُ أنْ تقرأَ الآيةَ الواحدةَ مِن غير أنْ تتوقف عند موضعٍ غيرِ حَسَن، أو تُجْهِدَ نفْسَها للوصول إلى الموضع الحسَن؛ فلم نقصد البتة أنْ تَقرأ عِدَّةَ آياتٍ متتالياتٍ بنَفَسٍ واحد، كما يفعل البعضُ، فيتدرَّب علىٰ قراءةِ سُورَةٍ كاملةٍ بنَفَسٍ واحِد، ظَنًّا منه أنه قد أَتىٰ بِحَسَنَ؛ بينما هو قد خالف السُّنن!
فعن أُمِّ سَلَمَةَ رضيَ اللهُ عنها قَالَتْ:
"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ [آيَةً آيَةً] يَقُولُ: الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)، ثُمَّ يَقِفُ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)، ثُمَّ يَقِفُ"([2]).
قال والدنا (ت1420ﻫ) رحِمَهُ اللهُ :
"(فائدة): قال أبو عمرو الداني في باب تفسير الوقف الحسن (5/ 2):
’’ومما ينبغي له أن يقطع عليه: رؤوسُ الآي؛ لأنهن في أنفسهن مقاطع، وأكثر ما يوجد التامُّ فيهن؛ لاقتضائهنَّ تمامَ الجُمَلِ واستبْقاءِ أكثرِهِنَّ انقضاءَ القصص. وقد كان جماعةٌ مِنَ الأئمَّةِ السالفين والقُرَّاء الماضين يَستحبُّون القطْعَ عليهنّ وإنْ تَعَلَّق كلامُ بعضِهنَّ ببعض؛ لِما ذَكرْنا مِن كونهنّ مقاطعَ، ولسن بمُشْبِهاتٍ لِما كان مِنَ الكلامِ التامِّ في أنفُسِهِنّ دون نهايتهن‘‘.
ثم روىٰ عنِ اليزيدي عن أبي عمرو أنه كان يَسكت علىٰ رأس كلِّ آية، فكان يقول: إنه أحب إليّ إذا كان آيةً أن يَسكت عندها، وقد وردت السُّنّةُ أيضًا بذٰلك عن رسول اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عند استعماله التقطيع. ثم ساق هٰذا الحديث. قلت: وهٰذه سُنَّةٌ تَرَكها أكثرُ قُرَّاء هٰذا الزمان. فاللهُ المستعان". ا ﻫ كلامُ الوالد رَحِمَهُ اللهُ ([3]).
وقال -أي الوالد- أحسنَ اللهُ إليه:
"وكذٰلك كانت قراءتُه كلُّها؛ يَقف علىٰ رؤوس الآي، ولا يَصِلُها بما بعدها، بدليلِ قولِ راويةِ الحديث:
"كان يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً". وهٰذا مُطلق غير مقيَّد ﺑ : {الفَاتِحَة}، وإنما تَلَتْها علىٰ سبيل المثال؛ لا علىٰ طريق التحديد. قال في " الزاد " (1/125):
(وهٰذا هو الأفضل: الوقوف علىٰ رؤوس الآيات؛ وإنْ تعلَّقتْ بما بَعدها. وذهب بعضُ القُرَّاء إلىٰ تَتَبُّعِ الأغراض، والمقاصد، والوقوفِ عند انتهائها، واتِّباعُ هَدْيِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسُنَّتِه أَولىٰ؛ وممن ذَكَر ذٰلك البيهقيُّ في "شعب الإيمان" وغيره، ورجَّح الوقوفَ علىٰ رؤوس الآي؛ وإنْ تَعَلَّقتْ بما بعدها). وقال الشيخ عليّ القاري:
(أجمع القُرَّاء علىٰ أنَّ الوقف على الفواصل وقْفٌ حَسَنٌ؛ ولو تَعَلَّقتْ بما بعدها)" اﻫ([4]).

(2) التدريب الذي ذكرناه هو تدريبٌ مُنفصلٌ عن جلسات التلاوة، وأيضًا ليس له علاقةٌ بتدريباتِ التنفُّس التي تُجرىٰ في دورات البرمجة اللغوية العصبية التي يبدؤون بها جلساتهم أو تتخلّلها، فيُفضون منها إلىٰ مآربَ مخالِفةٍ لِلشَّرع([5])!





([1]) هٰذا التدريب في المنـزل طبعًا.
([2]) رواه الإمام الترمذي وغيرُه، والسياق له، والزيادة للإمام أبي داود. ينظر "سنن الترمذي" (2927)، و"سنن أبي داود" (4001) بتحقيق الوالد رَحِمَهُ اللهُ .
([3]) "إرواء الغليل" (2/ 62).
([4]) "أصل صفة صلاة النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " (1/ 296 و297).
([5]) سنَعود -إن شاء اللهُ تَعَالَىٰ- إلى الحديثِ عن هٰذه النازِلَة في قِسم الحفظ (3/244 256).