جدولٌ يبيّن أمثلةً لأخطاء تجويدية تؤثر في المعنىٰ





وتلك كانت بعضُ أمثلة، وإلا فهي كثيرة جدًّا!
وبعد! فهل يَقبَل هٰذه الأخطاءَ الأفاضلُ العاذِلون على التدقيقِ في التجويد؟! وهل يمكن أن نصححَها إلَّا بالتدقيق؟!
هل تُلام معلمةٌ تُنبِّه وتدرِّب طالباتِها علىٰ تنقيةِ التلاوة مِن هاته الزلَّات القبيحات، أو تُحَذِّرُهنَّ مِن تلك العَثَرات، والحالُ أنّهنّ لذٰلك مُستطيعات؟!
فأين التشديد فيما سبق؟!
حقًّا ما أشبه الحال هنا بقَولِ الشاعر:
"إذا مَحَاسِــــــــــــــــــــــنِي اللَّاتي أُدِلُّ بِهَا
عُدَّتْ ذُنُوبِي؛ فَقُل لِي كَيْفَ أَعْتَذِرُ؟!"([1])
فمِنَ العَجَبِ أن تُلامَ، بل توسَم بأنها ليست علىٰ نهجِ أهْلِ الأثر، في حين أنها تحرص علىٰ مُتابَعةِ إمامِ أهلِ الأثرِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتىٰ في تلاوتِه!
وإننا نُسائِل: هل تُقبَل هٰذه اللُّحونُ وأخواتُها فتُمَرَّر ولا يُنبَّه عليها عند قراءةِ نصوصِ الحديث الشريف، أو أيِّ نصٍّ عربيٍّ آخر؟!
الحقُّ أننا نجد العلماءَ في دروس العقيدة والفقه والحديث وغيرِها يُصَوِّبون لِقارئ المتنِ العاديِّ إذا وَقَعَ في مِثل هٰذا، بل وما دُونَه مِمَّا لا يؤثِّر في المَعنىٰ، ومَن كان منهم ضَليعًا بعِلْمِ العَروض أو مُلمًّا به فإنه يُنَبِّه علىٰ عدمِ كسْرِ الوَزْنِ في شطرٍ -مِنَ الأرجوزة العِلمية- بِحَذْفٍ أو زيادةٍ أو مَطّ، فكيف بالحديثِ النبويّ؟! والحديثُ لفظُ النبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فكيف بكلام اللهِ جلَّ وعَلَا؟!!
وإنْ قيل: إننا لا نلوم على التنبيهِ في مِثلِ هٰذا، بل على المُدودِ الزائدةِ والغُنَنِ ونحوِها ممَّا لَا أثرَ له في المَعنىٰ؛ نقول:
إنّ نقَلةَ القرآنِ الكريمِ المُتْقِنِين لَم يُفرّقوا هٰذا التفريق، وقد بلَّغونا القرآنَ بالغُنّةِ والمدِّ والتفخيمِ والترقيق.. إلخ، جِيلًا بَعد جيل، مُشافَهةً وتَدوِينًا، ومنهم مَن دَوّن تدقيــقاتٍ صوتيّةً في كيفيّة الأداء، كمثلِ "الإِمَــام، الحَـافِظ، المُجَـــوِّد، المُقْـــرِئ، الحَـــاذِق، عَـــالِم الأَنْــدَلُسِ"([2]): أبي عمــرو الدَّاني -(ت444ﻫ)- جزاه اللهُ خيرًا؛ فمَن تأمّل كتابَه "التحديد في الإتقان والتجويد"؛ وَقَفَ علىٰ أمثلةٍ عديدةٍ للدقّة التي نَعْنيها! كما أنه هو القائل:
"وأئمَّةُ القراءةِ لا تَعْمَلُ في شَيءٍ مِن حُروفِ القرآنِ على الْأَفْشَىٰ في اللُّغة، والْأَقْيَسِ في العَربيّة؛ بل على الْأَثْبَتِ في الْأَثَرِ، والْأَصَحِّ في النَّقْلِ، والرِّوايَةُ إذا ثَبَتَتْ لَا يَرُدُّها قِياسُ عَرَبيّةٍ ولا فُشُوُّ لُغَةٍ؛ لِأَنَّ القِراءةَ سُنّةٌ مُتَّبَعَةٌ يَلْزَمُ قَبُولُها وَالمَصِيرُ إلَيْها" اﻫ كلامُه رَحِمَهُ اللهُ([3]).  
فإذا أَقْرْرنا أنّ "القِرَاءَةَ سُنَّة"([4])، وائتَمَرْنا بقولِه تَعَالَىٰ: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)﴾ (النَّحْل)، وكان أهلُ الذِّكر في كُلِّ عِلْمٍ هُمُ الْمُتَخَصِّصُون به الْمُعتَنون بمباحثه؛ عَلِمْنا أنّ الصوابَ في هٰذا: أَخْذُ ما نَقَله هٰؤلاءِ فيما يتعلَّق بنُطْقِ حُروفِ آيِ الذِّكْر، وتَلَقِّيهِ بالقَبول جُملةً وتفصيلًا، دون تَفريقٍ بين مسائلِ عِلْمِهم التي أَجْمَعوا عليها علىٰ تَقادُمِ العُهودِ وترامي البِلاد، دُون حُجَّةٍ لدينا إلَّا أذواقَنا وظُنونَنا واستحساناتِنا! ذٰلك؛ كما أنّ واجبَهم هُم -نعني الْمُتخصِّصين في عِلْمِ التجويد- أنْ يَتَلَقَّوا مسائلَ العقيدةِ مِن المتخصِّصين في عُلومِها، ومسائلَ الحديث مِن المُحَدِّثين الفقهاءِ به؛ فإنه لا يُقْبَل مِن أولٰئك تَخَيُّرُهم مِن مسائلِ هٰؤلاء بالاستحسانِ والذَّوقِ، قَبولًا وَرَدًّا.
وقد تَعَلَّمْنا هٰذا المبدأَ مِن والدِنا رَحِمَهُ اللهُ، فها هو يقول في سياقِ جوابِه عن سؤال يتعلَّق بحُكم التجويد وهل هو واجب:
(الفتوىٰ في التدوينة التالية إن شاء الله)


([1]) "بهجة المجالس" (2/ 487).
([2]) هٰكذا وصفه الحافظُ الذهبيُّ رَحِمَهُ اللهُ؛ "سير أعلام النبلاء" (18/ 77)، وهو المُشارُ إليه في قول الإمام ابن القيم -(ت751ﻫ) رَحِمَهُ اللهُ- في "القصيدة النونية" البيت: 1456:                                         
                                           وانظُر إلىٰ ما قَالَه ذُو سُنَّةٍ * وَقِراءَةٍ ذَاكَ الْإِمَامُ الدَّانِي
([3]) "جامع البيان في القراءات السبع" (2/ 860).
([4]) راجعي (2/ 307).